Custom Search

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

قصة فشل نسمع دائماً قصص النجاح ونتعلم منها الكثير, لكننا لا نسمع إلا بالقليل

متوفر في الاسواق "مجلة نجاح العدد 94


قصة فشل

نسمع دائماً قصص النجاح ونتعلم منها الكثير, لكننا لا نسمع إلا بالقليل من قصص الفشل, فنحن نعرف الإنسان ولا نعرف قصة حياته ونسمع بما أنجز لا بما مر به في طريق إنجازه, ربما نحتاج أحياناً إلى أن نعيش قليلاً مع الفشل لنعرف قيمة النجاح. وكما قال أحدهم "ليست الحياة أكثر من مجرد المضي من فشلٍ إلى آخر بحماسٍ لا يفتر"

حين نحترف الهروب
حين كانت (ف.ن) ترتب غرفتها وقعت عيناها على فرشاة رسم قديمةمختبئة في خزانتها منذ أعوام, تلمستها بحزن وشاهد
ت على الغبار الذي يعلوها ملامح قصة قديمة تنبعث منها رائحة الذكريات المرة.
تذكرَت اليوم الأول في الجامعة حين وقفت بجوار والدها في انتظار نتائج امتحان القبول في كلية الطب-جامعة صنعاء,أغمضت عينيها بألم حين عرفت بنجاحها, كانت تتمنى الفشل لأول مرة في حياتها ليكون مبرراً لها حتى تلتحق بالتخصص الذي طالما أحبته "الفنون التشكيلية" لكن حصولها على معدلٍ مرتفعٍ نسبياً جعل والدها يفرض عليها دراسة تخصص أكاديمي (يرفع الرأس) كما قال, فأقنعت نفسها أن تدرس إرضاءً له وسيظل الرسم هواية تهرب إليها حين تضيق بالحياة الجديدة.
كانت تجلس على مقاعد الدراسة تحاول فك الرموز الغريبة التي تبدو على اللوح أمامها, تشعر بالغربة وكأن المقاعد ترفضها,وكأنها تجلس في مكان شخص آخر لم تسمح له ظروفه بدراسة الطب, في حين تنتظر هي فرصة للفرار, تخفي تحت طاولتها دفتراً ترسم عليه, بدأت تتعلم لعبة الهروب شيئاً فشيئاً, تهرب من تأنيب ضميرها أمام نظرات والدها الذي علَّق آماله عليها وبذل لها كل ما تحتاج إليه لتصبح طبيبة يفخر بها أمام الناس, تهرب من المحاضرات المملة الخانقة إلى رفقة الصديقات الهاربات مثلها, تهرب في المحاضرة نفسها إلى عالم آخر من الأفكار والخيال.
وقفت في نهاية العام الأول تنتظر نتيجة الاختبارات, تمنَّت أن تنجح, دعت ربها بحرقة لتنجح, فقط حتى لا تضطر إلى تحمل هذه المرارة عاماَ زائداً, لكن هذا لم يحدث, لم تبكِ, تحجرت الدموع في عينيها, لم تحزن على فشلها في مجال لم تحبه يوماً ولم يكن ضمن أحلامها التي ماتت منذ أول يوم جبنت فيه عن الاعتراف برغبتها الحقيقية و الدفاع عنها أمام رغبات الآخرين. كل ما كانت تفكر به حينها هو الهروب فقط, لكنها كانت تعلل نفسها في طريقها إلى المنزل بأن هذا الفشل قد يكون خيراً لها, تخيلت ندم والدها واعتذاره لأنه أجبرها على ما لا تحب قالت في نفسها يومها: "ربَّ ضارة نافعة, ربما سيسمح لي الآن بدراسة ما أحب, سأحقق حلمي القديم أخيراً", لكن الرياح تجري بما لاتشتهي السفن, استقبلتها صدمة والدها الذَي جعله ما حدث يجبرها على إصلاح ما أفسده فشلها من مظهره أمام الناس, صرخ في وجهها: "ماذا سيقول الناس؟ عجزَت عن دراسة هذا التخصص الصعب فاختارت تخصصاً سهلاً يدرسه أي فاشل؟". أصبح أكثر تشدداً وصرامة معها فصارت أكثر ضيقاً وألماً وشقاءً, كلما ضاقت القيود حولها مارست هوايتها القديمة, كان الشيء الوحيد الذي تتقنه في الجامعة هو المشاركة في مسابقات الرسم والتلذذ بلعبة الهروب التي أصبحت جزءاً من حياتها, والتي كان أفظع فصولها أن تقدَّم أحد أقاربها لخطبتها, كان فرصة هروب لا تعوض, كان قارب نجاة هبط إليها من السماء لينقذها من ضغط أهلها ونظرة الآخرين إلى فشلها, كما أنها تستطيع بدء حياة جديدة واتخاذ قرارات مختلفة من موقع آخر, لكن لعبة الهروب لا تأتي بنتائج جيدة أبداً, فقد ظنت أن زواجها سيكونمحاولة أخيرة للإبقاء على غيبوبة أحلامها حتى لا تستيقظ فجأة وتذكرها بتعاستها,لكنه أصبح ارتماءً في جحيم آخر,انشغلت بحياة جديدة لم تحسب حسابهاونسيت كل شيء,حلمها الذي سكن قلبها وفرصة الدراسة التي كانت في يدها.
نبهتها من شرودها طفلتها وهي تسحب الفرشاة من يدها وتقول بمرحٍ طفولي: "سأصبح رسامةًحين أكبر", احتضنتها باكيةً وقالت لها: "كوني ما تريدين يا ابنتي.. كوني ما تريدين أنتِ فقط"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق