Custom Search

السبت، 18 يناير 2014

اليتيمة ليس هناك أصعب من أن يشعر

.

اليتيمة  

ليس هناك أصعب من أن يشعر المرء باليتم في ظل وجود والده، هذا ما دار بخلدها وهي تتجاوز الشارع المؤدي إلى المدرسة ، وقبل أن تبلغ الرصيف المقابل أخرجها من شرودها بوق سيارة مزعج، رمقت السائق بنظرات غاضبة ثم واصلت طريقها دون أن تركز على الكلمات الغاضبة التي كان يتفوه بها...
طوال الوقت يعيش معهم، لكنها لم تجد له أثر إيجابي في أي موقف من مواقف حياتها لا السعيدة منها ولا الحزينة، لم يسألها أو أحد إخوتها عن أحوال دراستهم ولا كيف يتجاوزون اختباراتهم، بل لا يكاد يدري في أي عام دراسي هم...
حنان والدتهم ووقوفها الدائم إلى جانبهم لم يسد الفجوة الواسعة التي تفصله عنهم، لا يجتمع معهم سوى في طاولة الغداء أو العشاء غير ذلك إما يتابع التلفاز، أو في عمله لا يكاد يشعر بهم أو يحاول أن يشاركهم حياتهم وأنشطتهم كما يفعل الآباء مع أطفالهم
"قد يكون والدك معذور" قالتها معلمتها بعد أن تجاذبت معها أطراف الحديث وشكت إليها غربة والدها عنهم وابتعاده
"ربما!"
قالتها دون اقتناع فأي عذر هذا الذي يحرمها من والدها
"هل حاولتِ أنتِ كسر الحاجز بينك وبينه؟"
"لا ... لم احاول"
"حاولي قد يكون هو أكثر حاجة لقربكم أنتم منه، لا تدري ما الظروف التي عانها في صغره فجعلته يتصرف معكم بهذه الطريقة ويبتعد، ربما محاولتك قد تغير في نفسه الكثير وتساعده هو أيضا على كسر الحاجز "
لم تجبها ، قد تكون معلمتها على حق، لكن هل سيكون حقا بمقدورها كسر ذلك الحاجز الصلب الذي يفصلها عن والدها ... من يدري؟!
كان جالس كعادته في مجلس البيت يقلب في قنوات التلفاز ، ترددت وفي كل مرة تقترب من الباب تبتعد مجددا وفي الأخير عادت إلى غرفتها تملا قلبها مشاعر الخيبة ، ماذا يمكن أن تقول له
كيف حالك يأبي ؟ الطقس اليوم جميل؟ هل من جديد على التلفاز؟؟
أم تقولها له صراحة "اشتقت لك؟؟!" نعم هذا بالضبط ما تريد أن تقوله، تردد هذه الجملة كثيرا في أعماقها لكن بمجرد أن تكون أمامه حتى تخطي الكلمات طريق الخروج إلى شفتيها وتلزم الصمت كما يفعل هو
لا تعرف متى أخر مرة تحدثت إليه، فهل تأتي اليوم بكل بساطة لتبوح له بكل اشتياقها وحاجتها إليه، دون أن يشجعها هو على قول ذلك، معلمتها لا تعرف كيف هو الوضع ولا مدى ابتعاده عنهم، لذا تخترع طرق غير مجدية
" ها ... كيف كانت محاولتك مع والدك؟!"
"حاولت البارحة أن ادخل لأحدثه لكني لم استطع"
"لا عليك استمري في المحاولة لأجلك ولأجله ولأجل أخوتك الصغار"
جهزت الشاي عصر ذلك اليوم، ووضعته أمامه، قاومت رغبة قوية للمغادرة وجلست بجانبه بعد أن أحضرت بعض كتبها، أخذ الشاي وعندما رآها تنوي الجلوس أزاح معطفه بعيدا ليفسح لها بعض المكان، وأنشغل بمشاهدة التلفاز
كانت تقلب صفحات كتابها كمن يقرأ لكن عقلها يعمل بتضارب باحثا عن كلمات أو حتى بضع حروف لتبدأ حديثا ما لكن كل حروفها اختفت وكأنها قد غاصت بين صفحات الكتاب
انقضى الوقت سريعا ومن المسجد القريب علا صوت المؤذن لصلاة المغرب، حمل معطفه وغادر الغرفة بهدوء، ولا تزال عبارة "كيف حالك يا أبي؟" متحشرجة في حلقها...
هل يعقل أن يكون الأمر بهذه الصعوبة، لملمت كتبها المبعثرة تبعثر أفكارها وغادرت المجلس هي أيضا، مقاومة رغبة بالبكاء ومشاعر اليتم تعتمل بألم في أعماقها
يعانق البعض صور آبائهم الراحلون بكل مشاعر الشوق والاحتياج، ووالدها بجانبها تعجز عن البوح له ببعض الكلمات العادية ...
وصلت أخيرا إلى المدرسة تعلم أن معلمتها ستسألها اليوم أيضا عن محاولتها لكسر الحاجز بينها وبين أبيها، ستخبرها بما حدث، لكن الأخيرة ستشجعها لمحاولة أخرى وستهز رأسها بأنها ستحاول ....


إعداد : هيئة التحرير


#الموضوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق